فصل: (سورة البقرة: آية 124):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: الآيات 114- 115]:

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)}.

.اللغة:

المساجد: جمع مسجد وهو اسم مكان للسجود وكان من حقّه أن يأتي على مفعل بفتح العين لأن عين مضارعه مضمومة ولكنه سمع بالكسر شذوذا كما شذّت ألفاظ جاءت بالكسر مع أنها مصوغة من مضموم العين في المضارع وهي المطلع والمغرب والمشرق والمسجد والمنسك والمجزر والمنبت والمسقط والمفرق والمسكن ويجوز فيها الفتح ولكن السماع أفصح.

.الإعراب:

{وَمَنْ} الواو استئنافية ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ومعناه النفي {أَظْلَمُ} خبر من {مِمَّنْ} جار ومجرور متعلقان بأظلم {مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ} فعل ماض وفاعل مستتر يعود على من ومساجد اللّه مفعول به والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول {أَنْ يُذْكَرَ} أن وما في حيّزها في تأويل مصدر مفعول ثان لمنع ولك أن تعرب المصدر مفعولا لأجله أي كراهة أن يذكر فيها اسمه {فِيهَا} جار ومجرور متعلقان بيذكر {اسْمُهُ} نائب فاعل ولك أن تعرب المصدر بدل اشتمال من مساجد اللّه لأنها تشتمل على الذكر {وَسَعى} عطف على منع {فِي خَرابِها} الجار والمجرور متعلقان بسعى {أُولئِكَ} اسم اشارة مبتدأ والجملة مستأنفة {ما} نافية {كانَ} فعل ماض ناقص {لَهُمْ} خبر مقدم لكان {أَنْ يَدْخُلُوها} المصدر المؤول من أن وما في حيزها اسم كان المؤخر {إِلَّا} أداة حصر {خائِفِينَ} حال من فاعل يدخلوها {لَهُمْ} الجار والمجرور خبر مقدم {فِي الدُّنْيا} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {خِزْيٌ} مبتدأ مؤخر والجملة لا محل لها لأنها استئنافية {وَلَهُمْ} الواو عاطفة لهم خبر مقدم {فِي الْآخِرَةِ} الجار والمجرور في محل نصب حال {عَذابٌ} مبتدأ مؤخر {عَظِيمٌ} نعت لعذاب {وَلِلَّهِ} الواو عاطفة والجار والمجرور خبر مقدم {الْمَشْرِقُ} مبتدأ مؤخر {وَالْمَغْرِبُ} عطف على المشرق {فَأَيْنَما} الفاء استئنافية وأينما اسم شرط جازم في محل نصب ظرف مكان متعلق بما بعده {تُوَلُّوا} فعل الشرط {فَثَمَّ} الفاء رابطة لجواب الشرط وثم ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم {وَجْهُ اللَّهِ} مبتدأ مؤخر والجملة في محل جزم جواب الشرط {إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ} إن واسمها وخبراها.

.الفوائد:

ثم: بفتح التاء ويقال للمؤنث ثمة إشارة للمكان البعيد ولا يجران إلا بمن والى.

.[سورة البقرة: الآيات 116- 117]:

{وقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْرًا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}.

.اللغة:

{اتَّخَذَ} من أفعال التحويل التي تنصب مفعولين وأخواتها تخذ وصير وردّ وترك وجعل وهب وقد أثيرت معركة طريفة حول اتخذ فقد استدرك ابن هشام على الجوهري صاحب الصحاح فقال: وقول الجوهريّ في اتّخذ أنه افتعل من الأخذ وهم وإنما التاء أصل وهو من تخذ كاتبع من تبع ويعتمد ابن هشام في تخطئته للجوهري على أنه لو كان من أخذ لوجب أن يقال: أيتخذ لأن الضابط في ذلك إنك تقول في افتعل من الإزار ايتزر بابدال الهمزة ياء تحتانية ولا يجوز ابدال هذه الياء التحتانية تاء فوقانية وإدغامها في التاء لأن هذه الياء بدل من همزة وليست أصلية، وقد استدرك آخرون على ابن هشام فقالوا: إن الإقدام على تغليط الجوهري ليس بالهين فيجوز أن يكون ذلك مذهبا له، ولا يقال: الجوهري ليس من أرباب المذاهب مع أن الظاهر يساعده فما قاله الجوهري وجه والوجه الثاني ما ذكره ابن هشام.

.الإعراب:

{وَقالُوا} الواو حرف عطف وقالوا فعل وفاعل {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} فعل وفاعل ومفعول به والجملة مقول القول: {سُبْحانَهُ} مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة معترضة للتنزيه {بَلْ} حرف عطف وإضراب {لَهُ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم {ما} اسم موصول مبتدأ مؤخر {فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول {كُلٌّ} مبتدأ ساغ الابتداء به لما فيه من معنى العموم والتنوين في كل عوض عن كلمة أي كل فرد من أفراد المخلوقات {لَهُ} جار ومجرور متعلقان بقانتون أي خاضعون منقادون وقد غلب في الملكية ما لا يعقل فقال ما في السموات لأن المراد تسخيرها له التسخير الطبيعي الذي لا يشترط فيه الاختيار ولا التسخير الشرعي المعبر عنه بالتكليف الذي يفعله الكاسب باختياره ويستوي في التسخير الطبيعي العاقل وغيره ولكنه في غير العاقل أظهر ولما ذكر القنوت له تعالى جمعه جمعا مذكرا سالما فغلب فيه العقلاء لأن من شأن القنوت أن يكون من العاقل الذي يشعر بموجبه ويفعله باختياره وإن كان لغير العاقل قنوت يليق به {قانِتُونَ}.
خبر كل {بَدِيعُ السَّماواتِ} خبر لمبتدأ محذوف وهو من باب إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها والأصل بديع سمواته {وَالْأَرْضِ} عطف على السموات {وَإِذا} ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه {قَضى أَمْرًا} الجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها {فَإِنَّما} الفاء رابطة وإنما كافة {يَقُولُ لَهُ} الجار والمجرور متعلقان بيقول والجملة لا محل لها {كُنْ} فعل أمر من كان التامة بمعنى حدث {فَيَكُونُ} الفاء استئنافية ويكون فعل مضارع تام مرفوع أي فهو يحدث وجملة: {كن} مقول القول.

.البلاغة:

المجاز العقلي في إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له لعلاقة مع قرينة مانعة من الإسناد وهو يدرك بالعقل ومن أمثلته البديعة في الشعر قول المتنبي:
كلّما أثبت الزمان قناة ** ركب المرء في القناة سنانا

وقد يلتبس بالاستعارة والفرق بينهما قصد التشبيه أو عدمه كما هو مقرر في كتب البلاغة.

.[سورة البقرة: الآيات 118- 119]:

{وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119)}.

.الإعراب:

{وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} الواو استئنافية وقال فعل ماض والذين فاعل وجملة: {لا يعلمون} صلة الموصول {لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} لو لا حرف تحضيض بمعنى هلّا ويكلمنا اللّه فعل ومفعول به مقدم وفاعل {أَوْ} حرف عطف {تَأْتِينا} عطف على يكلمنا {آيَةٌ} فاعل {كَذلِكَ} الجار والمجرور صفة لمفعول مطلق محذوف أو حال وقد تقدم بحثه {قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فعل وفاعل ومن قبلهم صلة الموصول {مِثْلَ قَوْلِهِمْ} بدل من كذلك {تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} فعل وفاعل {قَدْ} حرف تحقيق {بَيَّنَّا الْآياتِ} فعل وفاعل والآيات مفعول به وعلامة نصبه الكسرة {لِقَوْمٍ} الجار والمجرور متعلقان ببينا {يُوقِنُونَ} الجملة صفة لقوم {إِنَّا} إن واسمها {أَرْسَلْناكَ} فعل وفاعل ومفعول به {بِالْحَقِّ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال ملتبسا به ومصاحبا له وجملة: {أرسلناك} خبرها {بَشِيرًا} حال أيضا {وَنَذِيرًا} عطف على بشيرا {وَلا تُسْئَلُ} الواو استئنافية على الأرجح ولا نافية وتسأل فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت {عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ} جار ومجرور متعلقان بتسأل.

.[سورة البقرة: الآيات 120- 121]:

{ولَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121)}.

.الإعراب:

{وَلَنْ} الواو استئنافية ولن حرف نفي ونصب واستقبال {تَرْضى} فعل مضارع منصوب بلن {عَنْكَ} الجار والمجرور متعلقان بترضى {الْيَهُودُ} فاعل {وَلَا النَّصارى} عطف على اليهود {حَتَّى} حرف غاية وجر {تَتَّبِعَ} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد حتى {مِلَّتَهُمْ} مفعول به والفاعل مستتر تقديره أنت {قُلْ} فعل أمر مبني على السكون والجملة مستأنفة {إِنَّ} حرف مشبه بالفعل {هُدَى اللَّهِ} اسمها والجملة في محل نصب مقول القول: {هُوَ} مبتدأ {الْهُدى} خبره والجملة الاسمية خبر إن {وَلَئِنِ} الواو استئنافية واللام موطئة للقسم وإن حرف شرط جازم {اتَّبَعْتَ} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط والتاء فاعل {أَهْواءَهُمْ} مفعول به وجواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب القسم {بَعْدَ} ظرف {الَّذِي} اسم موصول في محل جر بالإضافة والظرف متعلق باتبعت وجملة {جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} لا محل لها لأنها صلة الموصول ومن العلم في محل نصب حال {ما لَكَ} ما نافية ولك جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم {مِنَ اللَّهِ} جار ومجرور متعلقان بولي {مِنْ وَلِيٍّ} من حرف جر زائد وولي مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر {وَلا نَصِيرٍ} عطف على ولي {الَّذِينَ} اسم موصول مبتدأ {آتَيْناهُمُ الْكِتابَ} فعل وفاعل ومفعولا آتينا وجملة: {آتيناهم} لا محل لها لأنها صلة الموصول {يَتْلُونَهُ} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والهاء مفعول به والجملة خبر الذين {حَقَّ تِلاوَتِهِ} مفعول مطلق {أُولئِكَ} اسم إشارة مبتدأ {يُؤْمِنُونَ بِهِ} الجملة خبر أولئك، وجملة: {أولئك يؤمنون به} خبر بعد خبر {وَمَنْ} الواو عاطفة ومن اسم شرط جازم مبتدأ {يَكْفُرْ} فعل الشرط {بِهِ} جار ومجرور متعلقان بيكفر {فَأُولئِكَ} الفاء رابطة واسم الاشارة مبتدأ {هُمُ} مبتدأ ثان {الْخاسِرُونَ} خبر هم والجملة الاسمية خبر أولئك ويحتمل أن يكون هم ضمير فصل أو عماد لا محل له.

.الفوائد:

إذا اجتمع شرط وقسم استغني بجواب المتقدّم منهما عن جواب المتأخر لشدة الاعتناء بالمتقدم ما لم يتقدم عليهما مبتدأ فحينئذ يترجح جانب الشرط.

.[سورة البقرة: الآيات 122- 123]:

{يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}.

.الإعراب:

{يا بَنِي إِسْرائِيلَ} يا حرف نداء للمتوسط وبني منادى مضاف وإسرائيل مضاف إليه وقد تقدم اعراب نظيره {اذْكُرُوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل {نِعْمَتِيَ} مفعول به والجملة مستأنفة مسوقة للتذكير بالنعم التي أسبغها اللّه على بني إسرائيل وجحدوا بها {الَّتِي} اسم موصول صفة {أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} الجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول {وَأَنِّي} أني وما بعدها عطف على نعمتي أي وتفضيلي إياكم على عالمي زمانكم {فَضَّلْتُكُمْ} فعل وفاعل ومفعول والجملة خبر أني {عَلَى الْعالَمِينَ} جار ومجرور متعلقان بفضلكم {وَاتَّقُوا} الواو حرف عطف واتقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل {يَوْمًا} مفعول به على حذف مضاف أي خافوا عذابه {لا تَجْزِي} لا نافية وتجزى فعل مضارع مرفوع {نَفْسٌ} فاعل {عَنْ نَفْسٍ} الجار والمجرور متعلقان بتجزي {شَيْئًا} مفعول به أو مفعول مطلق والجملة الفعلية صفة ليوما {وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ} عطف على ما تقدم وعدل نائب فاعل {وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ} عطف أيضا {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} عطف أيضا وهم مبتدأ وجملة: {يُنْصَرُونَ} خبر والواو نائب فاعل.

.[سورة البقرة: آية 124]:

{وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}.

.اللغة:

{إِبْراهِيمَ} معناه في السريانية أب رحيم.

.الإعراب:

{وَإِذِ} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة للتأسّي بما جرى للماضين مما يدل إلى التوحيد ويزع عن الشرك وإذا ظرف لما مضى من الزمان في محل نصب بفعل محذوف تقديره اذكر {ابْتَلى} فعل ماض {إِبْراهِيمَ} مفعول به مقدم {رَبُّهُ} فاعل مؤخر وجملة: {ابْتَلَى} في محل جر باضافة الظرف إليها {بِكَلِماتٍ} جار ومجرور متعلقان بابتلى {فَأَتَمَّهُنَّ} معطوف على ابتلى ومعنى الإتمام أداؤهن أحسن تأدية من غير تفريط أو توان والمراد بالكلمات ما أوحي إليه من أوامر ونواه {قالَ} فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره هو والجملة مفسرة لا محل لها {إِنِّي} إن واسمها {جاعِلُكَ} خبرها والجملة مقول القول: {لِلنَّاسِ} جار ومجرور متعلقان بجاعلك ولك أن تعلقه بمحذوف في محل نصب حال لأن كان في الأصل صفة لإماما {إِمامًا} مفعول جاعلك الثاني، أما المفعول الثاني فهو الكاف لأنه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله {قالَ} فعل ماض وفاعله هو {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} الواو عاطفة والجار والمجرور عطف على الكاف كأنه قال وجاعل بعض ذريتي كما يقال لك سأكرمك فتقول: وأخي هذا ما أعربه الكثيرون. وفي النفس منه شيء فالأولى في رأينا أن يتعلقا بمحذوف والتقدير: واجعل من ذريتي إماما {قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} عهدي فاعل والظالمين مفعول به.

.البلاغة:

في هذه الآية فن طريف من فنونهم يقال له: فنّ المراجعة وهو أن يحكي المتكلم مراجعة في القول جرت بينه وبين محاور في الحديث أو بين اثنين غيره بأوجز عبارة، وأبلغ اشارة، وأرشق محاورة، مع عذوبة اللفظ وجزالته، وسهولة السبك، انظر إلى هذه القطعة من الكلام التي عدة ألفاظها ثلاث عشرة لفظة كيف جمعت معاني الكلام من الخبر والاستخبار، والأمر والنهي والوعد والوعيد وهذا هو التفصيل:
1- الخبر في قوله: {إني جاعلك} وهو في الحقيقة وعد باستخلافه على الناس.
ب- الاستخبار في ضمن الخبر لأنه فرع عليه إذ الخبر يصير استخبارا بتصدير ما يدلّ على الاستفهام.
ج- الأمر في قوله: {ومن ذريتي} فإن معناه الطلب لذريته ما وعد به من الاستخلاف، فكأنه قال: رب وافعل ذلك لبعض ذريتي وكل طلب أمر لكنه إذا كان من اللّه سبحانه أوجب حسن الأدب أن يسمى دعاء ولا يطلق عليه لفظ الأمر وإن كان أمرا في أصل الوعد.
د- النهي وهو في ضمن الأمر لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده فكأن معناه ولا تحرم بعض ذريتي ذلك.
ه- الوعد تقدم بيانه في الخبر.
و- الوعيد في قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} فإن حاصل ذلك أن الظالمين من ذريتك لا ينالهم استخلافي وحرمان ذلك غاية الوعيد.
ومن شواهد هذا الفن الشعرية قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
بيننا ينعتني أبصرنني دو ** ن قيد الميل يعدو بي الأغر

قالت الكبرى ترى من ذا الفتى؟ ** قالت الوسطى لها هذا عمر

قالت الصغرى وقد تيمتها ** قد عرفناه وهل يخفى القمر؟

وفي هذه الأبيات نكتتان بليغتان تدلان على قوة عارضة الشاعر صاحب الفستق المقشر، كما يسمون شعره، ومعرفته بوضع الكلام مواضعه وهما:
1- أن قوافي الأبيات لو أطلقت لكانت كلها مرفوعة.
2- أنه جعل التي عرفته من جملة البنات وعرّفت به وشبهته تشبيها يدل على شغفها بحبه هي الصغرى منه ليدل على أنه فتيّ السن بدليل الالتزام إذ الفتية من النساء لا تميل إلا إلى الفتى من الرجال غالبا ليدمج في ذلك عذره بالصّبوة وأنه إنما كان منه ذلك في أيام الشبيبة.
3- ونكتة ثالثة تربو على جميع ما تقدم وهي في التذييل الذي أخرجه مخرج المثل السائر حيث قال في الحكاية عنها: وهل يخفى القمر ولا يحسب أحد أن الصغرى مالت إليه لغرارتها وضعف عقلها وتقاصره عن التمييز وقلة التجربة، ذلك أنه أخبر عن الكبرى أنها ما كانت تعرفه وقد راقها وشغفها حبا حين رأته حتى لم تتمالك عن التساؤل عنه، أو أنها عارفة به وإنما سألت عنه تغطية لأمرها وتعمية فيه من باب تجاهل العارف، إما إظهارا لفرط التّولّه والتّدلّه في الحب أو لأنها كانت تنتظر أن تجاب باسمه فتلتذ بسمعه، أما الوسطى فقد صرحت باسمه لأن منزلتها في رجاحة العقل وحصافته ورصانة اللب ونزاهته دون منزلة الكبرى فلما سترت الكبرى نفسها بالسؤال عنه لما يقتضيه عقلها صرحت الوسطى باسمه ومعرفته بالنسبة وأبانت الصغرى عما في نفسها منه بوصفها له بصفة تدل على عظم مكانته من قلبها لمكان سنها من الأختين وهذا من عجائب ما يسمع في هذا الباب ولا نحب أن نختم بحث هذا الفن قبل أن نورد بعض الشواهد فمن شواهده قول ديك الجن واسمه عبد السلام بن رغبان:
مرّت فقلت لها تحية مغرم ** ماذا عليك من السلام؟ فسلمي

قالت بمن تعني؟ فطرفك شاهد ** بنحول جسم قلت بالمتكلّم

فتضاحكت فبكيت قالت لا ترع ** فلربّ مثل هواك بالمتبسّم

قلت اتفقنا في الهوى فزيارة ** أو موعدا قبل الزيارة قدّمي

فتبسمت خجلا وقالت يا فتى ** لو لم أدعك تنام بي لم تحلم

وللبحتري واسمه الوليد:
ونديم حلو الشمائل كالدينار ** محض النّجار عذب المصفّى

بتّ أسقيه صفوة الرّاح حتى ** وضع الكأس مائلا يتكفّا

قلت عبد العزيز تفديك نفسي ** قال لبيك قلت لبيك ألفا

هاكها قال هاتها قلت خذها ** قال لا أستطيعها ثمّ أغفى

وحسبنا ما تقدم.